في أقصى الكعب الإيطالي تقع مدينة ليتشي الساحرة. وهي عاصمة مقاطعة ليتشي، التي تعتبر ثاني أكبر مقاطعة في إقليم بوليا.
وليس مفاجئًا أن تحظى مدينة ليتشي بلقب "فلورنسا الجنوب". وكما هي مثيلتها التوسكانية فإن مدينة ليتشي تذخر هي الأخرى بالأدب والفن المعماري أينما التفت.
لكن ليتشي ليست فلورنسا
فلديها هويتها الساحرة الخاصة الثرية بالفن المعماري الباروكي في شوارعها الجانبية التي تشبه شبكة العنكبوت، وهذا على خلاف أي مكان آخر في إيطاليا. ولن تأخذ منك إلا جهدًا ضئيلًا لكي تدرجها على رحلتك للمدن الإيطالية الكبرى، حتى تصبح متحررًا من الزحام في فلورنسا. فهؤلاء الذين يجدون أن فلورنسا كبيرة بسكانها البالغ تعدادهم 361 ألف نسمة مقارنة بليتشي البالغ عدد سكانها 95 ألف نسمة، سوف يُدهشون بتلك المدينة المرحة والمكتنزة.
وكمدينة صغيرة، فإن الكثير من المعالم الشهيرة والجواهر البارزة يمكن الوصول إليها بسهولة. وتشمل هذه المعالم البقايا الرومانية الرائعة التي يزعم العديد أنها سهلة الوصول أكثر من تلك الموجودة في روما. تخيل كونك تحيا في العصور الرومانية عبر المشي إلى الساحة الرئيسية ساحة سانت أورونزو والتي تضم المسرح المدرج في المدينة. وعلى الرغم من أن نصفه تقريبًا قد دُفن تحت الأرض، إلا أنه قد بني أساسًا لحضور أكثر من 25 ألف نسمة، ويستخدم الآن من أجل إقامة الحفلات الموسيقية والفنية. ليتشي مدينة تدهشك باستمرار. ويا لها من مفاجأة كبيرة للعامل المحلي الذي اكتشف هذا المسرح المدرج بمحض الصدفة قبل مئات السنوات خلال بعض أعمال التنقيب في المدينة.
وعلى العكس من المدن الأخرى، وأثناء مطالعة البقايا، فسوف تجد بعض من مهرجانات الجبن والنبيذ أو الموسيقى في الساحات حيث تتجول مستمتعًا بقلة الزحام والطوابير. وليس غريبًا أن ترى أثناء تجولك في ليتشي تدريب لفرقة كاملة للأوبرا أو البالية في أحد البقايا الرومانية. إنها تشبه بحق العودة بالزمن إلى تلك العصور.
يبلغ عمر ليتشي ما يربو على 2000 عام ولن يستغرق منك الأمر سوى جولة صغيرة في الشوارع الجانبية المخصصة للمشاة لتتخيل الحياة هنا قبل العديد من السنوات. وسوف يساعدك على هذا الشعور غياب حركة المرور والواجهات الجدارية المحفوظة للكنائس. وأحد أكثر الخصائص المميزة لهذه المدينة والتي يشعر بها الزوار هو الأمان. وهي تحتل مركزًا متقدمًا على قائمة من يبحثون عن مكان حيوي وعائلي.
وتذخر المدينة بالقصور والكنائس ذات الحجارة الذهبية والكريمية، والمحاطة جميعها ببوابات البلدة القديمة الستة. وعلى الرغم من أن كنائس ليتشي الثمانية والأربعين تقدم الشيء الكثير لمحبي العمارة الباروكية، فإن هذه الكنائس الرئيسية الست تقدم خير مثال على طراز ليتشي المبهرج:
كنيسة سانتا كروجه والتي تملك واجهة تفصيلية مذهلة، والتي استغرق بناؤها أكثر من 200 سنة، وكنيسة سانتا كيارا، وكنيسة سان ماتيو، وكنيسة سان إيرني، وكنيسة إل جيسو (تأكد من أنك ترى السقف المصور)، وكنيسة سان جيوفاني إيفانجليستا/ كنيسة روزاريو.
وبدون مشاهدة هذه الكنائس فمن المستحيل تقريبًا رسم صورة واضحة عنهم، إلا إذا كنت معتادًا بالفعل على رؤية المنحوتات المعقدة للكراغل والصقور والذئاب أينما التفت. ولا تنسّ الكاتدرائية التي تعتبر واحدة من أبرز الكاتدرائيات في إيطاليا. وقد بنيت في عام 1144 لكن تم إضافة برج الجرس البالغ ارتفاعه 70 متر في العصر الباروكي.
وبالإضافة إلى الكنائس، فيعتبر الجزء الداخلي للمسرح بالقرب من بورتا نابولي واحدًا من أكثر النماذج الخالدة للطراز الباروكي في جنوب إيطاليا. ويوجد الكثير من المباني المثيرة ذات اللون العسلي والتي يمكن التقاط صور لها أو رسمها بالقلم الرصاص. ومع ذلك فمن الصعب التقاط حيوية وإحساس المكان، والأساطير الموجودة خلفه.
وبعد يوم من محاولة التقاط جمال ليتشي بالصور الفوتوغرافية أو بالاسكتشات أو بالكلمات، فقد حان الوقت للاستمتاع بما تقدمه المدينة في الليل، من خلال أحد المطاعم أو الحانات العديدة المنتشرة في المدينة. ويمكن فعل ذلك كله سيرًا على القدمين، لذا اترك السيارة خارج الأسوار وتمهل. ويعتبر شارع فيا بالميري واحدًا فقط من الأمثلة على شوارع ليتشي العديدة القديمة المرصوفة بالحصى، والذي يمثل متحفًا مفتوحًا من البوابات والبلكونات والنوافذ. وعلى الجانب الآخر، فسوف يأخذك شارع فيا أميراتي إلى الوقت الحديث ويؤدي بك إلى شيء لا بد من رؤيته ألا وهو معرض الفن الحديث المعاصر.
وفي الليل، تكون ليتشي ببساطة جميلة. وتكون ساحة دومو ساحرة تحت أضواء المساء، ومناسبة لالتقاط صورة فوتوغرافية لها، أو الجلوس فحسب على أحد المقاهي أو الحانات أو المطاعم العديدة والتمتع بالمساء.
وكونك موجودًا في عالمٍ من الهدوء والسكينة لا يعني أن عليك التضحية بتواصلك مع الأماكن الرئيسية الأخرى. توجد ليتشي في نهاية خط القطار الذي يمر عبر ساحل إيطاليا الشرقي، بالإضافة إلى المطارات الرئيسية القريبة كمطار باري وبرينديسي. وزحام الطلاب في المساء يوازن الهدوء أثناء النهار بالصخب أثناء الليل.
ولن تكون بعيدًا أيضًا عن الشاطئ المطل على ساحل البحر الأدرياتيكي أو قمة تل العصور الوسطى، وهو ما يجعلك تتمنى استبدال يومك بقضائه في استكشاف الأماكن المحيطة بدلا عن الكنائس الباروكية، مع وجود الكثير من الإيطاليين الذين يذهبون إلى منطقة سالنتو هربًا من المدينة. وليس مفاجئًا أن يُطلق على هذه الشواطئ الرملية الممتدة على طول ساحل البحر الأدرياتيكي لقب "البحر الكاريبي لإيطاليا".
وفي ليتشي، فإن قلة مجموعات السياح الكبيرة التي تتمشى خلف المرشدين المرهقين تعني أنك ستحظى بترحيب دافئ من قبل السكان المحليين الذين يعرضون غالبًا التقاط صورة عائلية مع السياح أو يقومون بمساعدتك في اللغة. إنها مكان رائع لأخذ لقطة للحياة الحقيقية، عندما تشارك السكان المحليين أكل المثلجات على درجات الساحة.
ليتشي هي مكان رائع بحق للتمتع بثراء الفن المعماري والثقافة والتاريخ الذي تحظى به أيضًا المدن الإيطالية الكبرى الأخرى، ولكن هنا بدون زحام وحركة مرور. إنه المكان الذي تلتقي فيه السكينة بالتوهج في خليط مثير.
ليتشي هي مدينة ترغب في أن تكون مغموطة ومتغيرة وغامضة، ويبدو أنها تُسر بمفاجأة أولئك الذين يتعثرون بتلك الجوهرة الصغيرة.